فصل: تفسير سورة المعوذة الثانية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»



.تفسير سورة المعوذة الأولى:

قال ابن عباس: مدنية.
وقال قتادة: مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 5):

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)}
قوله عز وجل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفلق} الخِطَابُ للنبي صلى الله عليه وسلم والمُرَادُ هُوَ وآحادُ أمتِهِ، قَالَ ابن عباس وغيره: الفَلَقُ الصُّبْحُ، وقال ابن عباس أيضاً وجماعةٌ من الصحابة: الفلقُ جُبُّ في جَهَنَّم، ورَوَاه أبو هريرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: {مِن شَرِّ مَا خَلَقَ} يَعُمُّ كلَّ مَوْجُودٍ له شر، واخْتُلِفَ في: الغاسِقِ فَقَال ابن عباس وغيره: الغَاسِقُ الليلُ وَوَقَبَ: أظْلَمَ، ودَخَل عَلى الناسِ، وفي الحديثِ الصحيح عن عائشة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أشَارَ إلى القَمَرِ وقال: «يا عائشة؛ تَعَوَّذِي باللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الغَاسِقِ إذَا وَقَبَ»، قال السهيلي: وهذا أصحُّ ما قِيل لِهذَا الحديثِ الصحيحِ، انتهى، ولفظ صاحبِ سلاحِ المؤمِنِ: عن عائشةَ رضي اللَّه عنها أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَظَرَ إلَى القَمَرِ، فَقَالَ: «يا عائشةُ؛ اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا فإنَّ هَذَا الغَاسِقُ إذَا وَقَبَ»، رَوَاه الترمذيُّ والنسائي، والحاكم في المستدرك، واللفظُ للترمذي، وقَالَ حسنٌ صحيحٌ، وقال الحاكم: صحيحُ الإسنادِ، وَوَقَبَ القَمَر وُقُوباً: دَخَلَ في الظِّلِّ الذي يَكْسِفُه؛ قَالَه ابن سِيدَة، انتهى من السلاح.
و{النفاثات في العقد} السَّوَاحِر، ويقال: إن الإشَارَة أوَّلاً إلى بَنَاتِ لَبِيدِ بن الأَعْصَمِ اليهودي؛ كُنَّ سَاحِرَاتٍ، وهُنَّ اللواتي سَحَرْنَ مَعَ أبيهِنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، والنَّفْثُ شِبْهُ النَّفخِ دُونَ تَفلِ رِيقٍ، وهذا النَّفْثُ هُوَ عَلى عُقَدٍ تَعْقَدُ في خيوطٍ، ونحوِها؛ على اسْمِ المَسْحُورِ فيؤذى بذلك.
قال * ع *: وهَذَا الشَّأْنُ في زمانِنَا موجودٌ شائعٌ في صحراء المغرب، وحدَّثني ثقةٌ؛ أنه رأى عنْدَ بعضهم خيطاً أحْمَرَ قَدْ عُقِدَتْ فِيهِ عُقَدٌ على فُصْلاَنٍ، فَمُنِعَتْ بذلك رَضَاعَ أمهاتِها فكان إذا حَلَّ عقدةً جرى ذلك الفصيلُ إلى أُمِّه في الحِينِ، فَرَضَعَ، أعاذنا اللَّه مِنْ شَرِّ السِّحْرِ والسَّحَرَةَ.
وقوله تعالى: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} قال قتادة: مِنْ شَرِّ عَيْنِهِ ونَفْسِهِ، يريد ب النَّفْس: السعْيَ الخَبِيثَ، وقال الحُسَيْنُ بْنُ الفَضْلِ: ذكَر اللَّه تعالى الشُّرُور في هذه السُّورة، ثم ختمها بالحَسَدِ؛ ليعلم أنَّه أخسُّ الطَبائع.

.تفسير سورة المعوذة الثانية:

قال ابن عباس وغيره: هي مدنية.
وقال قتادة: مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 6):

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)}
قوله عز وجل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس * مَلِكِ الناس * إله الناس * مِن شَرِّ الوسواس الخناس}: {الوسواس}: اسم مِنْ أسماء الشيطانِ، وقولُه: {الخناس} معناه: الرَّاجِعُ على عَقِبِهِ المُسْتَتِرُ أحياناً، فإذَا ذكر العَبْدُ اللَّه تعالى وتعوَّذ، تذكَّر فأبْصَرَ؛ كما قال تعالى: {إِنَّ الذين اتقوا إِذَا مَسَّهُمْ طَئِفٌ...} [الأعراف: 201] قال النَّوَوِيُّ: قال بعضُ العلماءِ: يُسْتَحَبُّ قَول: لا إله إلا اللَّهِ لِمَنِ ابتلي بالوَسْوَسَةِ في الوضوءِ والصلاةِ وشِبْهِهِمَا؛ فإن الشيطان إذا سمع الذِّكرَ، خَنَسَ، أي: تأخَّر وبَعُدَ، ولا إله إلا اللَّهُ: رَأْسُ الذِّكْرِ؛ ولذلك اختار السَّادَةُ الجِلَّةُ مِنْ صَفْوة هذه الأمة أهْلُ تربيةِ السَّالكين وتأدِيبِ المُرِيدِينَ قَوْلَ لا إله إلا اللَّه لأَهْلِ الخَلْوَةِ، وأمَرُوهم بالمداومة علَيْهَا، وقالوا: أنْفَعُ علاجٍ في دَفْعِ الوسوسةِ الإقبالُ على ذِكْرِ اللَّه تعالى والإكْثَارُ منْه، وقال السَّيِّدُ الجليلُ أحْمَدُ بْنُ أبي الحوارِيِّ: شَكَوْتُ إلى أبي سُلَيْمَانَ الدَّرَانِيِّ الوَسْوَاسَ، فقال: إذا أَرَدت أَنْ ينقطعَ عَنْكَ، فَأَيَّ وَقْتٍ أحْسَسْتَ به، فافرح، فإنك إذا فَرِحْتَ به، انقطع عنك؛ لأنه ليْسَ شيءٌ أبْغَضُ إلى الشيطانِ مِنْ سرورِ المؤمن، وإن اغتممت بِه، زَادَكَ، * ت *: وهذا مما يؤيِّد ما قاله بَعْضُ الأئمة؛ أنَّ الوسواس إنما يبتلى به مَنْ كَمُلَ إيمانه؛ فإن اللِّصَّ لا يقصدُ بيتاً خَرباً. انتهى، * ت *: ورأيتُ في مختصر الطبريِّ نَحْوَ هذا.
وقوله تعالى: {مِنَ الجنة} يعني: الشياطينَ، ويظهر أنْ يَكُونَ قولُهُ: {والناس} يراد به: مَنْ يُوَسْوِسُ بخدعة مِنَ الشَّرِّ، ويدعو إلى الباطل، فهو في ذلك كَالشَّيْطان، قال أحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الداوديُّ: وعن ابن جُرَيْجٍ: {مِنَ الجنة والناس} قَالَ: إنهما وَسْوَاسَانِ، فَوَسْوَاسٌ من الجِنَّة، ووَسْوَاسٌ مِنْ نَفْسِ الإنسان انتهى، وفي الحديث الصحيحِ، «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا آوى إلى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، فَقَرأَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا مَا استطاع مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأ بِهِما مِنْ رَأْسه وَوَجْهِهِ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ؛ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً». يَقُولُ العبدُ الفقيرُ إِلى اللَّه تعالى: عَبْدُ الرحمن بْنُ مُحَمِّدِ بْنِ مَخْلُوفٍ الثَّعَالِبِيُّ لَطَفَ اللَّهُ به في الدارَيْنِ: قَدْ يَسَّرَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ في إِتمام تَِلْخِيصِ هذا المختَصَر؛ وقَدْ أودَعتُهُ بحَوْلِ اللَّهِ جزيلاً من الدُّرَر، قد استوعبت فيه- بِحَمْدِ اللَّهِ- مُهِمَّاتِ ابْنِ عِطَيَّةَ، وأسقطْتُ كَثيراً من التَّكْرار، وما كان من الشَّواذِّ في غاية الوهي، وزدْتُ من غيره جَوَاهِرَ ونَفَائِسَ لا يستغنى عنها مميزةً معزوَّة لِمَحَالِّها مَنْقُولةً بألفاظِهَا، وتوخَّيْتُ في جميع ذلك الصِّدْقَ والصَّواب، وإلى اللَّه أَرْغَبُ في جَزِيلِ الثواب، وقد نَبَّهْتُ بَعْضَ تَنْبِيهٍ، وعرَّفْتُ بأيام رِحْلَتِي في طَلَبِ العِلْمِ بعْضَ تعريفٍ عِنْدَ خَتْمِي لتفسير سورة الشورى؛ فَلْيَنْظُرْ هُنَاكَ، واللَّهُ المَسْؤُولُ أنْ يجعَلَ هذا السعْيَ منا خالصاً لوَجْهِهِ، وعملاً صالحاً يقرِّبنا إلى مرضاته، ومَنْ وَجَدَ في هذا الكتاب تَصْحِيفاً أو خَلَلاً فَأَرْغَبُ إِلَيْهِ أَنْ يُصْلِحَهُ مِنَ الأُمِّهاتِ المَنْقُولِ منها متثبِّتاً في ذلك لا برَأْيه وبديهةِ عَقْلِهِ: [من الوافر]
فَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلاً صَحِيحاً ** وَآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيمِ

وكان الفراغُ من تألِيفه في الخامسَ عَشَرَ مِنْ رَبِيع الأَوَّلِ مِنْ عَامِ ثَلاَثَةٍ وثَلاَثِينَ وَثَمَانِمائَةٍ وَأَنَا أَرْغَبُ إِلى كُلِّ أَخ نَظَرَ فيه أنْ يُخْلِصَ لي وَلَهُ بِدَعْوَةٍ صالحةٍ، وهذا الكتابُ لاَ يَنْبَغِي أنْ يَخْلُوَ عنه مُتَدَيِّنٌ، ومُحِبٌّ لكلامِ رَبِّه، فإِنه يَطَّلِعُ فيه على فَهْمِ القرآن أجْمَعَ في أَقْرَبِ مُدَّةٍ، وليس الخَبَرُ كَالعِيَانِ، هذا مَعَ مَا خُصَّ بِهِ تَحْقِيقِ كَلامَ الأَئِمَّةِ المحقِّقينَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم- نَقَلْتُهُ عَنْهُمْ بألفاظِهِمْ متحرِّياً لِلصَّوَابِ، ومِنَ اللَّهِ أَرْتَجِي حُسْنَ المَآب، وصَلَّى اللَّهُ على سَيِّدِنَا محمَّد خاتَمِ النبيِّينَ، وَعَلى آله وصَحْبِهِ أجمعين، وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العالمين.